المساواة في الميراث وحق النساء في الأرض – حليمة الجويني- تونس

إن قضية المواريث والتوزيع العادل للثروات وحق النساء في امتلاك الأرض والتصرف فيها تعتبر من أبرز القضايا التمييزية ضد النساء في تونس. وهي قضية لطالما   شغلت الحركة النسوية التي واجهتها باعتبارها ركيزة من ركائز السلطة الأبوية حيث أنها تمثل الوجه الاقتصادي والاجتماعي لعلوية الذكور داخل المجتمع وهي سبب من أسباب تفوقهم وتسلطهم على النساء وهنا تكمن المعادلة بين نظام من ناحية يقدس الملكية ومن ناحية أخرى يعطيها جنسا ذكوريا ويقصي ويستثني النساء.

كما ان الوضع الاجتماعي للنساء وخصوصا عاملات القطاع ألفلاحي اللواتي ينتجن غذاء الجميع ويعملن في الأرض دون امتلاكها فنسبة النساء اللواتي يمتلكن الأرض لم يتجاوز نسبة 5/ͦ وهي تقريبا نفس النسبة على المستوى العالمي وتمثل دليلا آخر على أن عدم تمليك النساء للأرض ليس حكرا على المجتمعات الإسلامية بل هو مظهر من مظاهر التعبيرات للنظام الأبوي. وهو ما يذكرنا بالعبودية في شكل.

  ومن جهة أخرى يحق لنا أن نتساءل عن علاقة النساء بالأرض ونصيبهن منها.  ففي كل أرياف تونس تعاني العاملات الفلاحيات من قساوة العمل وما يصاحبه أحيانا من تعدد أنواع العنف المسلط عليهن وظروف التنقل حيث تموت في كل موسم جني عشرات النساء وهذه الظاهرة أصبحت متكررة ولم تقدم لها الحلول إلى الآن حتى صار يطلق عليها اسم” شاحنات الموت” وزد على ذلك ان الناجيات منهن يحصلن إلا على نصف اجر الرجل.  

 لقد بادرت  الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات منذ أواخر التسعينات بفتح النقاش المجتمعي حولها ثم القيام بدراسات و بحوث في هذا الصدد التحقت بها جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية كما انخرطت معها في هذا النضال الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وهذه الجمعيات هي العمود الفقري للتنسيقية التونسية للمسيرة العالمية للنساء واعتبرت قضية  المساواة في الميراث قضية حقوقية عادلة قبل الثورة ولعلها احد مبرر التحفظات التي أبدتها الدولة التونسية على الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز ضد المرأة (CEDAW). وهي أيضا قضية سياسية حتى وان أرادوا كساؤها بالدين والشريعة. كما إنها قضية اجتماعية تستوجب إعادة النظر في وضعية النساء داخل العائلة و العلاقات داخلها التي تنظمها مجلة الأحوال الشخصية.هذه المجلة التي  وان حافظت على المنوال الأبوي للعائلة تبقى نصا قانونيا وضعيا لا يمكن أن يكتسي هذه القدسية ولئن تفترض جدلا بأن أحكام مجلة الأحوال الشخصية فيما يتعلق بالمواريث مستنبطة إلى حد ما من القواعد القرآنية مثل قاعدة “للذكر مثل حظ الأنثيين” فإنها تؤكد أن المواريث  تندرج في باب المعاملات الذي كان دوما موضوع اجتهادات واختلافات حسب العصور والأمصار والسنن استجابة لمتطلبات الزمن والمجتمعات  فإننا نرى انه في ذات الوقت منع تعدد الزوجات و التطليق و أجيز التبني منذ إصدار هذه المجلة مما يؤكد طابعها الوضعي والمدني.                        

إن العوامل التي أدت إلى الثورة من 17 ديسمبر 2010الى 14 جانفي 2011    هي أساسا انخرام النظام الاقتصادي وإفلاس منوال تنموي يرتكز على التمييز الجغرافي والجنسي والاستبداد لنظام دكتاتوري فاشي على مستوى سياسي قامع للحريات العامة والفردية وما انخراط النساء التونسيات في هذا الحراك الثوري الا دليل قاطع على توقهن للحرية والمساواة رافعات شعارات الثورة: شغل /حرية /كرامة وطنية.

كما انخرطت الحركة النسوية في الحراك رافعة شعار المساواة للنساء والجهات كتعبير عن الإقصاء والتهميش للجهات المنتفضة وكذلك إقصاء وتهميش النساء في المجتمع.

وبعد الثورة تأججت صراعات بين القوى التقدمية والقوى الرجعية المحافظة لتغيير مسارات الصراع والتي تخفي في جانب كبير منها صراعات لمناويل مجتمعية وتنموية مختلفة وأصبحت قضية المساواة بين الجنسين في قلب الصراعات والتجاذبات السياسية فكانت محطات هامة طبعتها الحركة النسوية بنضالات وتحقيق مكاسب هامة للنساء نذكر أهمها:

-رفع التحفظات على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة في 2011.

-معركة إدراج مبدأ المساواة بين النساء والرجال وحقوق الإنسان وحماية النساء من العنف والتمييز في الدستور وهي من أكبر المعارك التي عاشها المجتمع التونسي ودفع ثمنها باهظا حيث اغتيل فيها زعيمين يساريين في سنة 2013.

-إصدار قانون أساسي شامل متعلق بالقضاء على العنف ضد ال نساءفي2017.

– تكليف رئيس الدولة مجموعة خبراء ونشطاء2018 في (لجنة الحريات الفردية والمساواة) لانجاز تقرير.

  -مشروع قانون حول المساواة في الميراث يقضي بتعديل مجلة الأحوال الشخصية 

 في الباب المتعلق بالمواريث.

وبعد رحيل الرئيس السابق الباجي قائد السبسي وانتخاب رئيس جديد فان هذا المسار تعطل لان الرئيس الحالي لا يتبنى مبد المساواة بل حسب مقاربته فان القضية هي قضية عدل و إنصاف وحقوق اقتصادية ولا زالت الحركة النسوية والحقوقية تطالب بالمساواة كشرط اساسي لتحقيق العدل والانصاف اضف الى ذلك تعلله بان فضاء العائلة هو فضاء خاص لا يخضع للمساواة بين المواطنين والمواطنات وكان صفة المواطنة تنتفي بدخول الفضاء الخاص وقد توجهت له منظمات المجتمع المدني برسالة في هذا الصدد لترد على مزاعمه ولازالت المطالبة بالمساواة في الميراث محل صراع بين قوى المحافظين والحركة التقدمية ونعتبرها في  قلب القضايا التنموية العادلة لأنها تؤسس لحق لطالما انتهك للنساء وهو حقهن في الثروة.أما على مستوى الأصوات التي تتحدث عن عدم جدوى التوقيت لهذا المطلب فإننا نحاججهم بان لا وقت ولا توقيت للمطالبة بالحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات وهي مطالب كل الفئات المسحوقة في بلداننا وفي العالم .

لقد دقت ساعة التحدي و التمتع بالحقوق الكاملة و الكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة….وليخجل الجبناء الذين لا يستحون في التغذي من عرق النساء و عدم الاعتراف لهن بأبسط الحقوق.

المساواة في الميراث هي شكل من أشكال التوزيع العادل للثروات بين النساء والرجال.

فلنتضامن من اجل حق النساء في  الحرية والمساواة والعيش الكريم وتقاسم الثروة و تصحيح علاقتهن بالارض.

اكتب تعليقًا